كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقيل بل علموا في الآخرة حين عاينوها ما شكوا فيه وعلموا عنه في الدنيا وهو قوله تعالى: {بل هم في شك منها} أي هم اليوم في شك من الساعة {بل هم منها عمون} جمع عم وهو أعمى القلب وقيل معنى الآية أن الله أخبر عنهم إذا بعثوا يوم القيامة يستوي علمهم في الآخرة، وما وعدوا فيها من الثواب والعقاب وإن كانت علومهم مختلفة في الدنيا.
قوله تعالى: {وقال الذين كفروا} أي مشركو مكة {أإذا كنا ترابًا وآباؤنا أإنا لمخرجون} أي من قبورنا أحياء {لقد وعدنا هذا} أي هذا البعث {نحن وآباؤنا من قبل} أي من قبل محمد صلى الله عليه سلم وليس ذلك بشيء {إن هذا} أي ما هذا {إلا أساطير الأولين} أي أحاديثهم وأكاذيبهم التي كتبوها {قيل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين ولا تحزن عليهم} أي بتكذيبهم إياك وإعراضهم عنك.
{ولا تكن في ضيق مما يمكرون} نزلت في المستهزئين الذي اقتسموا عقاب مكة {ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قل عسى أن يكون ردف} أي دنا وقرب {لكم} وقيل معناه ردفكم {بعض الذي تستعجلون} أي من العذاب فحل بهم ذلك يوم بدر.
قوله: {وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهم} أي تخفى {وما يعلنون} أي من عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم {وما من غائبة} أي من جملة غائبة من مكتوم سر وخفي أمر وشيء غائب {في السماء والأرض إلا في كتاب مبين} يعني في اللوح المحفوظ {إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل} أي يبين لهم {أكثر الذين هم فيه يختلفون} أي من أمر الدين، وذلك أن أهل الكتاب اختلفوا فيما بينهم فصاروا أحزابًا يطعن بعضهم على بعض فنزل القرآن ببيان ما اختلفوا فيه {وإنه} يعني القرآن {لهدى ورحمة للمؤمنين إن ربك يقضي بينهم} أي يفصل بينهم ويحكم بين المختلفين في الدين يوم القيامة {بحكمة} أي الحق {هو العزيز} الممتنع الذي لا يرد له أمر {العليم} أي بأحوالهم فلا يخفى عليه شيء منها.
{فتوكل على الله} أي فثق به {إنك على الحق المبين} أي البين {إنك لا تسمع الموتى} يعني موتى القلوب وهم الكفار {ولا تسمع الصم الدعاء فإذا ولو مدبرين} أي معرضين.
فإن قلت ما معنى مدبرين والأصم لا يسمع صوتًا سواء أقبل أو أدبر؟.
قلت: هو تأكيد ومبالغة وقيل: إن الأصم إذا كان حاضرًا قد يسمع برفع الصوت، أو يفهم بالإشارة فإذا ولى لم يسمع ولم يفهم.
ومعنى الآية إنه لفرط إعراضهم عما يدعون إليه كالميت الذي لا سبيل إلى سماعه، وكلأصم الذي لا يسمع ولا يفهم {وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم} معناه ما أنت بمرشد من أعماه الله عن الهدى وأعمى قلبه عن الإيمان {إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا} إلا من يصدق بالقرآن أنه من الله {فهم مسلمون} أي مخلصون.
قوله تعالى: {وإذا وقع القول عليهم} يعني إذا وجب عليهم العذاب وقيل: إذا غضب الله عليهم وقيل إذا وجبت الحجة عليهم، وذلك أنهم لم يأمروا بالمعروف، ولم ينهوا عن المنكر وقيل إذا لم يرج صلاحهم وذلك في آخر الزمان قبل قيام الساعة {أخرجنا لهم دابة الأرض}.
م عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «بادروا بالأعمال قبل ست: طلوع الشمس من مغربها والدخان والدجال والدابة وخويصة أحدكم وأمر العامة».
م عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «إن أول الآيات خروجًا طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة على الناس ضحى، وأيتهما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على أثرها قريبًا» عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه سلم «تخرج الدابة ومعها خاتم سليمان وعصا موسى فتجلو وجه المؤمن وتخطم أنف الكافر بالخاتم: حتى إن أهل الحق ليجتمعون فيقول هذا يا مؤمن ويقول هذا يا كافر» أخرجه الترمذي.
وقال حديث حسن، وروى البغوي بإسناده عن الثعلبي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «يكون للدابة ثلاث خرجات من الدهر فتخرج خروجًا بأقصى اليمن فيفشو ذكرها بالبادية لا يدخل ذكرها القرية، يعني مكة ثم تمكث زمنًا طويلًا، ثم تخرج خرجة أخرى قريبًا من مكة فيفشوا ذكرها بالبادية، ويدخل ذكرها القرية يعني مكة ثم بينا الناس يومًا في أعظم المساجد على الله حرمة، وأكرمها على الله يعني المسجد الحرام لم يرعهم، إلا وهي في ناحية المسجد تدنو وتدنو، كذا قال عمر وما بين الركب الأسود إلى باب بني مخزوم، عن يمين الخارج في وسط من ذلك فارفض الناس عنها وتثبت لها عصابة عرفوا أنهم لم يعجزوا الله، فخرجت عليهم تنفض رأسها من التراب فمرت بهم فجلت وجوههم حتى تركتها كأنها الكواكب الدرية، ثم ولت في الأرض لا يدركها طالب ولا يعجزها هارب حتى أن الرجل، ليقوم فيعوذ منها بالصلاة فتأتيه من خلفه فتقول يا فلان الآن تصلي فيقبل عليها بوجهه فتسمه في وجهه، فيتجاور الناس في ديارهم ويصطحبون في أسفارهم ويشتركون في الأموال يعرف الكافر من المؤمن فيقال للمؤمن يا مؤمن وللكافر يا كافر».
وبإسناد الثعلبي عن حذيفة بن اليمان ذكر رسول الله صلى لله عليه وسلم الدابة قلت: يا رسول الله من أين تخرج قال «من أعظم المساجد حرمة على الله فبينما عيسى يطوف بالبيت ومعه المسلمون إذ تضطرب الأرض، وينشق الصفا مما يلي المسعى وتخرج الدابة من الصفا أول ما يخرج منها رأسها ملمعة ذات وبر وريش لن يدركها الطالب، ولن يفوتها هارب تسم الناس مؤمنًا وكافرًا؛ فأما المؤمن فتترك وجهه كأنه كوكب دري وتكتب بين عينيه مؤمن؛ وأما الكافر فتنكت بين عينيه نكتة سوداء وتكتب بين عينيه كافر» وروي عن ابن عباس أنه قرع الصفا بعصاه وهو محرم وقال: إن الدابة لتسمع قرع عصاي هذه وعن ابن عمر قال تخرج الدابة ليلة جمع الناس ويسيرون إلى منى، وعن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال «بئس الشعب شعب أجياد مرتين أو ثلاثًا قيل: ولم ذلك يا رسول الله؟ قال: تخرج منه الدابة تصرخ ثلاث صرخات يسمعها من بين الخافقين» وروي عن ابن الزبير أنه وصف الدابة فقال: رأسها رأس ثور وعينها عين خنزير، وأذنها أذن فيل وقرنها قرن إيل وصدرها صدر أسد ولونها لون نمر وخاصرتها خاصرة هر، وذنبها ذنب كبش وقوائمها قوائم بعير بين كل مفصلين اثنا عشر ذراعًا.
وعن عبد الله بن عمرو قال: تخرج الدابة من شعب أجياد فتمس رأسها السحاب ورجلاها في الأرض وروي عن علي قال: ليست بدابة لها ذنب ولكن لها لحية وقال وهب: وجهها وجه رجل وسائر خلقها كخلق الطير فتخبر من رآها أن أهل مكة، كانوا بمحمد والقرآن لا يوقنون {تكلمهم} أي بكلام فصيح قيل تقول هذا مؤمن وهذا كافر.
وقيل: تقول ما أخبر الله تعالى {إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون} تخبر الناس عن أهل مكة أنهم لم يؤمنوا بالقرآن والبعث.
وقرئ تكلمهم بتخفيف اللام من الكلم، وهو الجرح وقال ابن الجوزي: سئل ابن عباس عن هذه الآية تكلمهم فقال: كل ذلك تفعل تكلم المؤمن وتكلم الكافر.
قوله تعالى: {ويوم نحشر من كل أمة فوجًا} أي نحشر من كل قرن جماعة {ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون} أي يحبس أولهم على آخرهم حتى يجتمعون ثم يساقوا إلى النار {حتى إذا جاءوا} يعني يوم القيامة {قال} الله تعالى لهم {أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علمًا} أي ولم تعرفوها حق معرفتها {أم ماذا كنتم تعملون} أي حين لم تتفكروا فيها وقيل: معنى الآية أكذبتم بآياتي غير عالمين بها ولم تتفكروا في صحتها بل كنتم بها جاهلين {ووقع القول} أي وجب العذاب {عليهم بما ظلموا} أي بما أشركوا {فهم لا ينطقون} أي بحجة قيل إن أفواههم مختومة {ألم يروا أنا جعلنا} أي أنا خلقنا {الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرًا} أي مضيئًا يبصر فيه.
وفي الآية دليل على البعث بعد الموت لأن القادر على قلب الضياء ظلمة، والظلمة ضياء قادر على الإعادة بعد الموت {إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون} أي يصدقون فيعتبرون.
قوله تعالى: {ويوم ينفخ في الصور} هو قرن ينفخ فيه إسرافيل قال الحسن: الصور هو القرن ومعنى كلامه إن الأرواح تجتمع في القرن ثم ينفخ فيه فتذهب في الأجساد فتحيا بها الأجساد {ففزع} أي فصعق {من في السموات ومن في الأرض} أي ماتوا.
والمعنى أنه يلقى عليهم الفزع إلى أن يموتوا.
وقيل ينفخ إسرافيل في الصور ثلاث نفخات، نفخة الفزع ونفخة الصعق ونفخة القيام لرب العالمين {إلا من شاء الله} روى أبو هريرة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم سئل عن قوله تعالى: {إلا من شاء الله} قال «هم الشهداء متقلدون أسيافهم حول العرش» وقال ابن عباس: هم الشهداء لأنهم أحياء عند ربهم لا يصل إليهم الفزع.
وقيل: يعني جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل فلا يبقى بعد النفخة إلا هؤلاء الأربعة ويروى أن الله تعالى يقول لملك الموت خذ نفس إسرافيل فيأخذ نفسه ثم يقول: من بقي يا ملك الموت فيقول: سبحانك ربي تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام، وجهك الباقي الدائم بقي جبريل وميكائيل، وملك الموت فيقول: خذ نفس ميكائيل.
فيأخذ نفس ميكائيل فيقع، كالطود العظيم فيقول من بقي من خلقي: فيقول: سبحانك ربي تباركت وتعاليت بقي جبريل، وملك الموت فيقول مت يا ملك الموت فيموت فيقول يا جبريل من بقي فيقول: تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام بقي وجهك الدائم الباقي وجبريل، الميت الفاني فيقول الله: يا جبريل لابد من موتك فيقع ساجدًا يخفق بجناحيه.
فيروى أن فضل خلقه على ميكائيل كفضل الطود العظيم على ظرب من الظراب.
ويروى أنه يبقى مع هؤلاء الأربعة حملة العرش ثم روح ملك الموت، فإذا لم يبق أحد إلا الله تبارك وتعالى طوى السماء كطي السجل للكتاب ثم يقول الله: «أنا الجبار لمن الملك اليوم فلا يجيبه أحد فيقول الله تعالى: لله الواحد القهار».
ق عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «ينفخ في الصور فيصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم ينفخ فيه أخرى، فأكون أول من رفع رأسه فإذا موسى أخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أكان ممن استثنى الله أم رفع رأسه قبلي، ومن قال أنا خير من يونس بن متى فقد كذب» وقيل الذين استثنى الله هم رضوان والحور ومالك والزبانية.
وقوله تعالى: {وكل} أي وكل الذي أحيوا بعد الموت {أتوه} أي جاءوه {داخرين} أي صاغرين.
قوله تعالى: {وترى الجبال تحسبها جامدة} أي قائمة واقفة {وهي تمر مر السحاب} أي تسير سير السحاب حتى تقع على الأرض فتستوي بها وذلك أن كل شيء عظيم وكل جسم كبير وكل جمع كثير يقصر عنه البصر لكثرته وعظمه وبعد ما بين أطرافه فهو في حساب الناظر واقف وهو سائر كذلك سير الجبال يوم القيامة لا يرى لعظمها كما أن سير السحاب لا يرى لعظمه {صنع الله الذي أتقن كل شيء} يعني أنه تعالى، لما قدم هذه الأشياء كلها التي لا يقدر عليها غيره جعل ذلك الصنع من الأشياء التي أتقنها وأحكمها وأتى بها على وجه الحكمة والصواب {إنه خبير بما تفعلون}.
قوله تعالى: {من جاء بالحسنة} أي بكلمة الإخلاص، وهي شهادة أن لا إله إلا الله وقيل الإخلاص في العمل، وقيل الحسنة كل طاعة عملها الله {فله خير منها} قال ابن عباس فيها يصل إلى الخير بمعنى أن له من تلك الحسنة خير يوم القيامة وهو الثواب والأمن من العذاب أما من يكون له شيء خير من الإيمان فلا، لأنه لا شيء خير من لا إله إلا الله، وقيل: هو جزاء الأعمال والطاعات الثواب والجنة وجزاء الإيمان والإخلاص رضوان الله والنظر إليه لقوله: {ورضوان من الله} وقيل: معنى خير منها الأضعاف أعطاه الله بالواحدة عشر أضعافها، لأن الحسنة استحقاق العبد والتضعيف تفضيل الرب تبارك وتعالى {وهم من فزع يومئذٍ آمنون} فإن قلت كيف نفى الفزع هنا وقد قال قبله ففزع من في السموات ومن في الأرض.
قلت: إن الفزع الأول هو ما لا يخلو عنه أحد عند الإحساس بشدة تقع وهول يفجأ من رعب وهيبة وإن كان المحسن يأمن وصول ذلك الضرر إليه فأما الفزع الثاني فهو الخوف من العذاب فهم آمنون منه.
وأما ما يلحق الإنسان من الرعب عند مشاهدة الأهوال فلا ينفك منه أحد {ومن جاء بالسيئة} يعني بالشرك {فكبت وجوههم في النار} عبر بالوجه عن جميع البدن كأنه قال كبوا وطرحوا جميعهم في النار {هل تجزون إلا ما كنتم تعملون} أي تقول لهم خزنة جهنم {هل تجزون إلا ما كنتم تعملون} في الدنيا من الشرك.
وقوله تعالى: {إنما أمرت} يعني يقول الله تعالى لرسوله قل إنما أمرت {أن أعبد رب هذه البلدة} يعني أمرت أن أخص بعبادتي وتوحيدي الله الذي هو رب هذه البلدة يعني مكة، وإنما خصها من بين سائر البلاد بالذكر لأنها مضافة إليه وأحب البلاد وأكرمها عليه، وأشار إليها إشارة تعظيم لأنها موطن نبيه ومهبط وحيه {الذي حرمها} أي جعلها الله حرمًا آمنًا لا يسفك فيها دم ولا يظلم فيها أحد ولا يصاد صيدها ولا يختلى خلاله ولا يدخلها إلا محرم، وإنما ذكر أنه هو الذي حرمها لأن العرب كانوا معترفين بفضلية مكة، وأن تحريمها من الله لا من الأصنام {وله كل شيء} أي خلقًا وملكًا {وأمرت أن أكون من المسلمين} لله المطيعين له {وأن أتلوا القرآن} أي أمرت أن أتلو القرآن ولقد قام صلى الله عليه وسلم بكل ما أمر به أتم قيام على ما أمر به {فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه} أي نفع اهتدائه يرجع إليه {ومن ضل} أي عن الإيمان وأخطأ طريق الهدى {فقل إنما أنا من المنذرين} أي من المخوفين، وما علي إلا البلاغ نسختها آية القتال {وقل الحمد لله} أي على جميع نعمه، وقيل: على ما وفقني من القيام بأداء الرسالة والإنذار {سيريكم} الباهرة ودلائله القاهرة قيل: هو يوم بدر وهو ما أراهم من القتل والسبي وضرب الملائكة وجوههم وأدبارهم وقيل: آياته في السموات والأرض وفي أنفسكم {فتعرفونها} أي فتعرفون الآيات والدلالات {وما ربك بغافل عما تعملون} فيه وعيد بالجزاء على أعمالهم والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ.